إإخواني طريقة جديدة لتحليل وثيقة
التحليل المعلومياتي لحجة الوداع
إن التحليل المعلوماتي الكومبيوتري لخطبة الرسول (ص) في حجة الوداع تفتح امامنا آفاقاً حضارية جديدة لتراثنا يستطيع بها مواكبة التغيرات المعاصرة، بل وتحريكها الى الأمام.
في السنة _العاشرة للهجرة _ حج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالناس للمرةالأخيرة في حياته، في يوم التاسع من ذي الحجة. من صعيد جبل عرفة _حيث خطب رسول الله (ص) خطبته المشهورة الكاملة والمؤثرة، وكان ربيعة ابن أمية بن خلف يعيد أقواله (ص) ليسمع الناس.
ويقال، إنه حج وعلى جمله رحل رث، وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، وهو يقول: »اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة« .
لقد جمع _في خطبته _ الوعظ والمعيشةوالحياة في كلمات متناسقة روحية، وتعابير ميسرة ونماذج علاجية لتكون في متناول الإنسان البسيط، وبيّن للناس واجباتهم وحقوقهم، من أجل بناء مجتمع متراص يشد المؤمن بعضه بعضا. ومعنى ذلك، أن النبي (ص) وضع اللمسات الأخيرة على مشروع البناء الحضاري للمسلمين، حتى لا يخرجوا عن جادة الطريق.
فحينما يقرأ (ص) الآية الكريمة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة/ 3).
يكون بذلك قد حمل المسؤولية إلى الأفراد والجماعة، لأن ما ذكر في كلامه _وهو الذي لا ينطق عن الهوى _يعتبر بمثابة مجموعة سلسلة من المعاملات يجب أن تظل منقوشة في أذهاننا، لأنها تمثل علاقة بربه ومجتمعه، ستبقى مستمرة التطبيق في الزمكان الإنساني إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
التحليل العلمي المعلومياتي (بدون معادلات) لخطبة الرسول (ص):
اعتمدنا في تحليل نص خطبة الرسول (ص) على 190 لفظة أساسية استعملت في كلام النبي (ص) مثل: الحمد_الله _ الثلث _ الرسول _ الحث، كما قمنا بتقسيم الخطبة إلى تسع وحدات هي:
الوحدة الأولى: »الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله،وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير«.
_ الوحدة الثانية: »أما بعد أيها الناس، اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيهاالناس، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وفي بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد«.
_ الوحدة الثالثة: »فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، إن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدا به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد... وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير. فمن زاد فهو من أهل الجاهلية، ألا هل بلغت؟اللهم اشهد«.
_ الوحدة الرابعة: »أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع في ما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. فاحذروه على دينكم«.
»أيها الناس إن النسيىء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤوا عدة ما حرم الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض،وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاث متواليات وواحد فرد، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جماديالثانية وشعبان، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد«.
_ الوحدة الخامسة: »أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونهبيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تعضوهن وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهنبالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلغت؟الله فاشهد«.
_ الوحدة السادسة: »أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرىء مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد«.
_ الوحدة السابعة: »فلاترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت؟ الله فاشهد«.
_ الوحدة الثامنة: »أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، فليبلغ الشاهد منكم الغائب«.
_ الوحدة التاسعة: »أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز لوارث وصيته ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر.من أدعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفا ولا عدلا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته«.
إنها وحدات مستقلةفيما بينها، عدا الوحدة الثانية والوحدة السادسة فهما مرتبطتان نوعا ما بواسطة: »تحريم امرىء مال أخيه«.
أما بقية الوحدات، فإنها مستقلة عن بعضها البعض، رغم ما يبدوفي بعض المقاطع من تشابه الوصايا (وهذا ما أظهره الكمبيوتر والحسابات الرياضية).
النتائج المحصل عليها باستخدام الكمبيوتر
يتضح من خلال النتائج المحصل عليها، أن الخطاب النبوي يمكن تقسيمه إلى العوامل(أو القضايا) الآتية:
*العامل الأول: وهو العامل الممثل بلفظة الجلالة ووحدانية الله، أي بفكرتين هامتين هما: وجود الله_وحدانية الله. هاتان الفكرتان لهما 36,7% من المساهمة الكلية للوحدات.
تفسير العامل الأول:
هنا يوجهنا رسول الله (ص) نحو مبدأ تحكيم العقل، وما يجب التفكير فيه ومعنى ذلك، أنه يحثنا على ربط العالم المادي بخالق هذا الكون.
فمن خلال آيات كتاب الله عز وجل التي تعتبر الموجه لكل باحث، ومن خلال قراءتنا لميكانيزمات الكائنات الحية،نستنتج أن الخلية هي الوحدة المشتركة في كل الكائنات الحية، وهذا معناه أن المخلوقات تخضع لمعادلة بيولوجية مشتركة، وتتطور وفق نظام محكم ووحيد.
فتكون نتيجة مناقشةالعاقل، المتدبر في ملكوت السماوات والأرض _لكل إشكالياته الحياتية _ أن الظواهر الفيزيائية والبيولوجية ليست في الواقع سوى أدوات يتحكم فيها نظام رياضي واحد يتسمبالدقة، لا يعتريه الخلل الديناميكي، ويخضع لقوة لا يمكن تمثيل إسقاطاتها في الفضاء الرياضي. وتكون الحقيقة في آخر المطاف، هي فكرة الوجود والوحدانية التي تبقى راسخة فيذهن الإنسان العاقل.
*العامل الثاني: وهو العامل الذي يوضح لنا أهمية يوم خلق السماوات والأرض. فالعامل الثاني في خطبة نبينا محمد (ص) يوضح لنا الألفاظ المرتبطة ببدايةالكون، حيث ذكر صلوات الله عليه وسلامه، أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله، يوم خلق السماوات والأرض، وهذا معناه حسب كلام الرسول (ص) أن الكون كان على هيئة تختلف عن هيئته الحالية.
وبالفعل، إن المتتبع لحركة النجوم، تظهر له وكأنها ثابتة لا تتحرك، والسبب في ذلك يرجع للمسافة التي تفصلنا عن هذه النجوم، إلا أن الواقع يبرهن عكس ذلك، فالنجوم عمليا تتحرك بسرعة كبيرة، كما يقول رب العالمين:
(والشمس تجري لمستقر لها). (يس/ 38)
*العامل الثالث: هو عامل الوصية، حيث نجده (ص) يوصي الناس بتأدية واجب الإرث على أحسن ما يرام، إذ يقول (ص): »أيها الناس، إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث«.
فإن نظرنا بعقولنا لقضية الإرث، وجدنا أن الدين الإسلامي يقوم بتحصين كل مسلم ينتمي لعائلة المتوفي، وذلك بتأمين طريقه الاجتماعي حتى يبلغ أشده من جهة، وحتى يكون لزوجه موردٌ لتأمين حياته من جهة أخرى؛ ولقد فصل الفكر الإسلامي السليم في هذه المسألة بما أرضى المجتمع، حتى لا تحدث مطبات أسرية غير محمودة.
فتحكيم العقل إذن، الذي يستمد طاقته من الدين الإسلامي الحنيف، والذي يحسن تطبيق تعاليم القرآن ووصايا رسول الله (ص) المادية، كفيل ببناء مجتمع التكافل، لأن الإسلام أتى بخير منهج لتثبيت دعائم التوازن الأسري والاقتصادي بين أفراد المجتمع، وبكيفية تفسح المجال لتغطية الأسرة إذا ما اقتحم الأجل المحتوم أحد أفراد عائلتها.
*العامل الرابع: المرأة
يأتي العامل الرابع، ليوضح لنا أن معلمنا الأكبر محمد (ص) لم يغفل عن قضية المرأة وحقوقها، إذ تعتبر المرأة في الدين الإسلامي العمود الفقري لتقدم المجتمع. فقد ترك (ص) بصماته فيوصاياه على المرأة، حيث يقول: »أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حقا، أن لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة،الله فاشهد«.
فالألفاظ ذات المعاني الكبرى حسب الحساب الرياضي هي: عليكم، حقا، عليهن؛ إذ نجد لها مساهمات كبيرة في هذه الوحدة، مما يدل على أن الدين الإسلامي أولى للمرأة اهتماما لم يشهده التاريخ من قبل، إذ كان لها وضع دوني في المجتمعات الأخرى.
*العامل الخامس: عامل الوداع
فهذا العامل يعتبر عامل توديع رسول الله (ص) لأمته،والانتقال إلى الدار الآخرة، حيث نجد أن الفقرة الثانية (الوحدة 2): »أما بعد أيها الناس اسمعوا فيما أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا«. لهامساهمة قوية على العامل الخامس.
الشرح: لقد ألقى الله سبحانه قيادة المسلمين على عاتق معلم البشرية محمد (ص)، بعد أن رباه واصطفاه، وارتفع به عن ملذات الدنيا، وغرس فيهالكمالات، لتوجيه الناس والتخطيط لمصلحتهم، وبيّن لهم أنه لا يجوز لهم أن يكونوا أتباع الأمم الأخرى، لأن المنطق يقضي أن يكون أصحاب الأخلاق الفاضلة والمثل العلياوأصحاب الإيمان هم قادة لا مقودين، وسادة في الأرض لا ينظرون بنظارات غيرهم.
علّم المسلم كيف يعيش في قضائه، وفي قضاء حوائج الناس أمانا عن عقاب الله، حيث يقول (ص): »إنلله تعالى عبادا اختصهم بحوائج الناس، يفزع إليهم الناس في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله«.
أدى الأمانة كاملة، ووضع للناس ميزان العدل في الأحكام والوصايا،ونبههم إلى تحريم الدماء والأموال، وكأنه يقول لهم، إنني أودعكم على أمل اللقاء معكم إن شاء الله في ذلك اليوم، الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
* عليكم بالعمل والمثابرة والاجتهاد حتى تلقوا ربكم بأعمالكم الحسنة.
إنه الخطاب الذي كان بمثابة رسالة حضارية، مفتوحة وموجهة للعالم أجمع، كيفما كانت ألوان الناس وألسنتهم وأجناسهم.