حقوق الإنسان فى مجال العلاقات العامة والتعامل الدولي
تكريم الإسلام للإنسان : احترم الإسلام الذات الإنسانية وكرمها بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو العرق قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء 70 وكفل للإنسان أن يعيش حياة حرة كريمة بعيدة عن الإذلال والاستعباد حياة يصان فيها ماله وعرضه ونفسه
ـ حقوق الإنسان في مجال العلاقات العامة
الحقوق والحريات الشخصية : وأول هذه الحقوق هو الحق في الحياة فقد اعتبر الإسلام أن الاعتداء على حياة إنسان واحد هو بمثابة الاعتداء على البشرية قاطبة قال تعالى : ( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) المائدة 32 كما اوجب القصاص والدية ولم يتسامح حتى مع القتل الخطأ كما لم يجز للإنسان حتى قتل نفسه وتوعد من يفعل ذلك بالخلود في جهنم
ومن الحقوق والحريات الشخصية الحق في الأمان فلا يحق لأحد تعذيب الإنسان أو اعتقاله دون وجه حق والشريعة التي تعترف للجنين بجميع حقوقه لحين ولادته هي احرص أن تقر للإنسان بكامل الحقوق التي تحفظ له كرامته وأمنه وجميع حقوقه
حقوق الإنسان في علاقته بمجتمعه : لكل إنسان حياته الخاصة التي لا يحق للغير التدخل فيها أو الاطلاع على ما لا يريد اطلاع الغير عليه
قال صلى الله عليه وسلم
كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم ومن ضمن هذا النوع ضمان الإسلام للإنسان حق التنقل في ارض الله الواسعة بحثا عن الحياة الآمنة وهروبا من الظلم والقهر الذي يجده في موطنه قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ) النساء 97
كما كفل الإسلام للإنسان الحق في اختيار شريك حياته في الزواج عن طريق الرضا وإعطاءه حرية الكسب والتملك بالطرق المشروعة
ـ حقوق الإنسان الاعتقادية والفكرية : كفل الإسلام للإنسان
ـ حرية المعتقد فقال تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) البقرة 256
ـ حرية الرأي والفكر : قدس الإسلام العقل وفتح المجال واسعا للإنسان في استخدام عقله وأراد من خلال ذلك الوصول بالإنسان إلى درجة الإبداع لذلك ذم التقليد والجمود كما أعطى للإنسان حرية الرأي مع مراعاة عدم المساس بمقدسات الإسلام أو إلحاق الضرر بالأمة
حقوق الإنسان السياسية والمدنية : فمن الحقوق السياسية
أ ـ حق الشورى : ولم يكتف الإسلام باعتبارها مجرد حق بل عدها ضرورة شرعية في حق الحكام والمحكومين فقال تعالى : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) آل عمران 159
ب ـ حق المعارضة : وهذا الذي يسمى بحق ممارسة النقد وإسداء النصح للحكام وبها يشارك الفرد أو الجماعة بأفكار ومشاريع يرون فيها النفع للمجتمع وهذا يجعل الفرد يشعر بكيانه الإنساني والمعنوي ويغلق الباب أمام الاستبداد والظلم
الحقوق المدنية : وهي الحقوق التي كفلها الإسلام للفرد كونه يعيش في جماعة فيؤثر ويتأثر ويتبادل مع الأفراد المنافع فللفرد في الإسلام أن يبيع ويشتري ويملك ويرث ويهب ويوصي ويتزوج ويطلق ... الخ وكل ذلك وفق ما تقتضيه مصلحته الشخصية في إطار الشرع
الحقوق الاجتماعية والاقتصادية : كفل الإسلام للإنسان في هذا الجانب حقوقا تضمن له الكرامة وتحفظه من كثير من الطوارئ والمصائب كما تراعي ضعفه البشري في أطوار مخصوصة من حياته فاوجب النفقة للزوجة والأبناء والآباء في حالة الفقر كما اوجب الرعاية والحضانة والرضاع للطفل وأكد على وجوب رعاية أموال اليتامى وصان الإسلام للفرد الحق في التملك وفق الضوابط الشرعية كما ضمن له حق العمل وأعطى له حق الضمان الاجتماعي في حالة المرض أو الإعاقة أو الكبر أو الموت
الحقوق الثقافية والتربوية :يكفي لتقرير هذا الحق أن أول ما نزل من القران ( اقرأ ) فقد كفل الإسلام حق طلب العلم وتنمية القدرات العقلية والفكرية لكل فرد رجلا كان أم امرأة حتى يصبح الفرد نافعا لنسه ومجتمعه
اسس العلاقات العامة : قرر الاسلام في مجال العلاقات والتعامل لاالدولى مجموعة من القيم نذكر منها
1 ـ التعامل بين المسلمين وغيرهم من اهل العقائد والاديان انما يقوم على اساس المصلحة الاجتماعية والخير الانسان قال تعالى : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة8 والوسيلة المثلى للتفاهم هي الحوار قال تعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )العنكبوت46
2 ـ العدالة : وتقتضي ان تبنى كافة العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية على اساس كفالة العدالة لكافة الاطراف وعدم الجور او الحاق الظلم بأي جماعة او فئة من جراء هذا الاتفاق او تلك المعاهدة
3 ـ المساواة في الاخوة الانسانة : ان وحدة الجنس البشري تقتضي في نظر الاسلام المساواة التامة بين كافة افراده وجماعاته وشعوبه من حيث اتاحة فرص متساوية للحصول على الحقوق الاساسية للانسان والتمتع بها
حقوق الإنسان في الحرب : يعتبر الإسلام أن أصل العلاقات البشرية هو السلم وفي حال الحرب فان الإسلام قد شرع جملة من الأحكام تجعل من حرب المسلمين مع أعدائهم حربا حضارية فقد نهى الإسلام عن قتل الشيوخ والنساء والأطفال وأمر بحسن معاملة الأسرى فقال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) الإنسان 08 ونهى عن المثلة كما أمر بالوفاء بالعهود واحترام المستجير ( طالب الآمان ) قال تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) التوبة 06
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقوق العمال وواجباتهم في الإسلام
نظرة الإسلام إلى العمل : تتجلى نظرة الإسلام إلى العمل في الأمور الآتية :
1 ـ اوجب الإسلام العمل على الإنسان لأنه من لوازم الحياة وبقاء النوع ومقتضى الفطرة قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) الملك 15 وقال تعالى : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الجمعة 10
2 ـ العمل عبادة يتقرب به الإنسان من خالقه ويجعله أهلا لمرضاته سواء كان هذا العمل فكريا أو صناعيا أو تجاريا أو زراعيا
3 ـ العمل جهاد في سبيل الله ففي الحديث انه مر على النبي صلى الله رجل فرأى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله ، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان يسعى على نفسه يعفها (1) فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج رياء وتفاخرا فهو في سبيل الشيطان ) رواه الطبراني
4 ـ الإسلام يحرم المسألة لأنه دين العزة والكرامة ولا يرضى للفرد أن يعيش عالة على غيره قال صلى الله عليه وسلم : (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ) رواه مسلم وقال أيضا : (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ) واه مسلم
ولذا اوجب الإسلام اتخاذ حرفة ولو بسيطة تحفظ ماء الوجه من الاستجداء ( حديث الاحتطاب )
الحقوق الأساسية للعمال : منح الإسلام للعمال جملة من الحقوق نذكر منها
1 ـ الحق في العمل : وهذا حق مشروع لكل قادر على العمل وعلى الدولة أن تؤمن له العمل حسب استعداداته ومهاراته حتى لا تتبدد طاقات أبناء الأمة ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه الذين يطلبون الصدقة إلى العمل حتى يكسبوا رزقهم بعملهم وجهدهم
2 ـ الحق في الأجر العادل : يجب أن يعطى العامل أجرا على قدر جهده الذاتي فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّه ُتعالى : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ ) رواه البخاري
3 ـ إعطاء الأجر في الموعد المحدد : وهذا واجب دون تأخير أو مماطلة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ) رواه ابن ماجة
4 ـ عدم إرهاق العامل : فمن حق العامل ألا يرهق في عمله ولا يكلف فوق طاقته قال تعالى : (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة 233 وقل تعالى على لسان شعيب لموسى عليه السلام حين أراد أن يعمل له في ماله : (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ) القصص 27
5 ـ حق العامل في الحصول على حقوقه التي اشترطها صاحب العمل : يجب على صاحب العمل أن يوفي العامل حقوقه التي اشترطها عليه وألا يحاول انتقاص شيء منها لان ذلك يعد ظلما
6 ـ حق العامل في المحافظة على كرامته : يجب على صاحب العمل أن يحفظ كرامة العامل فلا يضعه موضع الذليل المسخر أو العبد المهان
7 ـ حق العامل في الاستمرار في عمله إذا نقصت مقدرته على الإنتاج : ليس لصاحب العمل أن يفصل العامل من عمله إذا انقضت مقدرته على الإنتاج بسبب المرض أو الهرم فعليه أن يرضى بإنتاجه في شيخوخته كما كان يرضى به في عهد شبابه وقوته
8 ـ حق العامل في أداء ما افترضه الله عليه : يجب على صاحب العمل أن يمكن العامل من أداء ما افترضه الله من طاعة كالصلاة والصوم والعامل المتدين اقرب الناس إلى الخير فهو يؤدي عمله في إخلاص ومراقبة وأداء للأمانة
9 ـ حق العامل في الشكوى وحقه في التقاضي : فالإسلام حرم الظلم وأعطى الحق للعامل في أن يتوجه إن كان مظلوما إلى الجهات المختصة للمطالبة بحقوقه
10ـ الحق في ضمان حاجة العامل وعائلته عند العجز والشيخوخة : فإذا عجز العامل لأي سبب كالشيخوخة أو إصابات العمل أو العاهة المستديمة أو أصيب بكارثة وجب ضمان حاجته وحاجة عياله
11 ـ الحق في ضمان حاجة عائلة العامل بعد وفاته : فان من حق زوجة العامل وأولاده بعد وفاته إذا كانوا قاصرين أو عاجزين عن العمل ولا مال لهم أن تؤمن الدولة لهم ما يكفيهم قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا ) رواه البخاري
واجبات العمال : ومن أهم واجباتهم
1 ـ معرفة ما هو مطلوب من العامل وما اشترطه رب العمل في العقد وانجازه انجازا تاما كاملا
2 ـ الشعور بالمسؤولية تجاه العمل الذي كلف أو تعاقد عليه وارتبط به
3 ـ أداء العمل بأمانة وإخلاص وإتقان وتجنب الغش والإهمال والتقصير قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) رواه الطبراني وقال صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ) رواه مسلم
4 ـ عدم تأخير العمل عن وقته فالمسلم يقوم بأعماله في أوقاتها وفي الحكمة : ( لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد )
5 ـ الابتعاد عن الخيانة في العمل بكل صورها وأشكالها فتضييع الأوقات خيانة والغش خيانة واخذ الرشوة خيانة وتعطيل مصالح الناس خيانة قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الأنفال 27 ( قصة ابن اللتبية مع صدقات بني سليم ص 179 في الكتاب المدرسي )
العلاقة بين العمال وأرباب العمل
يهدف الإسلام إلى أن تكون العلاقة بين رب العمل والعامل قائمة على أساس من التعاون في جو إنساني طيب لذا شرع للعمال حقوق تضمن لهم الحياة الكريمة كما رتب عليهم التزامات تجاه العمل وصاحب العمل يجب أن يقوموا بها وهذا ينعكس بالفائدة الايجابية على ظروف العمل ونوع الأداء والإنتاج
الكفاءة أساس التمييز : الناس متفاوتون في مواهبهم وفي طاقاتهم وفي عملهم وهذا أمر ثابت لا سبيل إلى إنكاره أو تجاهله ولما كان الإسلام يتحرى العدل أينما وجد فقد اقر هذا الواقع الفطري وقرر أن جزاء كل فرد يجب أن يكون على قدر ما يقوم به من عمل وما يبذله من جهد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ