الربا ومشكلة الفائدة - عبد الرؤوف المدية

الربا ومشكلة الفائدة
تعريف الربا لغة : الزيادة / واصطلاحا : هو الزيادة في أحد البدلين من غير أن تقابل هذه الزيادة بعوض
حكمه : الربا محرم وهو من اكبر كبائر الذنوب
دليل تحريمه : قال تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) البقرة 275 و قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) البقرة 178 ـ 179
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَـــوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ ) رواه البخاري
مراحل تحريم الربا : حرم الربا بالتدرج وفق أربع مراحل وهي كالآتي حسب ترتيب نزول الآيات الواردة فيه
المرحلة الأولى : ورد التنفير منه بطريقة غير مباشرة لتهيئة النفوس لتقبل فكرة التحريم حيث وردت إشارة في الآية الآتية إلى أن الله يبغض الربا وان الربا ليس له عند الله ثواب فقال تعالى : (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) ) من سورة الروم
المرحلة الثانية : ورد التنفير منه بطريقة مباشرة عندما تحدث عن جرائم اليهود ومخالفتهم لما نهى الله عنه والعقاب الذي لحقهم بسبب هذه التمرد وكأن الآية تقول لا تفعلوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم ولكن لم يرد فيها التحريم القطعي للربا فقال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) ) من سورة الروم
المرحلة الثالثة : حرم الربا الفاحش المضاعف حيث كانت عادة الناس لما تنتهي المدة ويعجز المدين عن سداد ماعليه يؤخر له الأجل وتضعاف له الزيادة فقال تعالى : (ا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) ) من سورة آل عمران
المرحلة الرابعة : ورد التحريم الكلي النهائي الجازم القاطع فقال تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) البقرة 275 وقل تعالى ايضا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) من سورة البقرة
الحكمة من تحريمه : الربا محرم في جميع الأديان السماوية والسبب في تحريمه ما فيه من أضرار متنوعة
أ ـ ضرره من الناحية النفسية : إن الإسلام يهدف إلى تهذيب الأخلاق والربا يتناقض مع هذه الغاية لأنه يولد في النفس الأنانية فالمرابي لايهمه إلا جمع المال بأي طريقة كانت حتى يتحول إلى حيوان بشري من جراء هذه الأنانية
ب ـ ضرره من الناحية الاجتماعية : الربا يولد العداوة والبغضاء بين الناس ويتسبب في تفكيك الروابط الإنسانية والاجتماعية لما فيه من الجشع وحب النفس على حساب الآخرين
جـ ـ ضرره من الناحية الاقتصادية :
لقد ثبت أن الربا عامل من عوامل التضخم وتكدس الثروات بين فئة قليلة من الناس لا تكسب المال بالجهد بل باستغلال حاجة الناس إلى المال في أعسر الظروف
الربا يقضي على الإرادة وروح التنافس وهذا يؤدي إلى تعطيل المشاريع
لقد تأكد في هذا الزمن أن الربا معول لهدم المجتمعات إذا صار وسيلة في يد الدول الاستعمارية تستعبد به الدول الأخرى ولهذا فإننا نرى المترفين يزدادون ترفا بينما يزداد الفقراء فقرا بسبب الديون المتراكمة وفوائدها الربوية المتزايدة
تفضي المعاملات الربوية إلى نشوء طبقة مترفة تكون سببا في زوال الأمم والحضارات وتكون عائقا أمام كل محاولات الإصلاح
أنواع الربا : الربا الذي حرمه الإسلام نوعان
1 ـ ربا النسيئة ( التأخير ) : وهو أن تكون الزيادة المذكورة مقابل تأخير سداد الدين مثل أن يدفع شخص إلى آخر عشرة آلاف دينار لمدة معلومة من الزمن على أن يأخذ منه اثنا عشر ألف دينار أو يعطيه قنطارا من القمح في زمن الشتاء على أن يرجعه قنطارا ونصف في زمن الصيف عند الحصاد وهذا النوع هو الذي كان مشهورا في الجاهلية
2 ـ ربا الفضل : هو بيع مطعومين أو نقدين من جنس واحد مع زيادة احد البدلين عن الآخر وذلك كبيع قنطار من القمح الجيد بقنطار ونصف من القمح الرديء أو بيع 300 غ من الذهب بـ 400 غ منه مثلا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) رواه مسلم
القواعد العامة لاستبعاد المعاملات المالية الربوية
من خلال النظر في النصوص التي حرمت الربا وحتى لا يقع المسلم في الربا استنبط العلماء القواعد الآتية
القاعدة الأولى : في حال تبادل معدن بمعدن أو طعام بطعام من نفس الصنف فيشترط شرطان : المساواة في البدلين ـ التسليم الفوري
القاعدة الثانية : في حال تبادل معدن بمعدن أو طعام بطعام من جنسين مختلفين ( ذهب بفضة ـ تمر بقمح ) فيشترط التسليم الفوري فقط
القاعدة الثالثة : في حال تبادل الذهب أو الفضة بأي نوع من أنواع الطعام فتكون الحرية المطلقة في التعامل