القصاص والاعدام بين الحكم العادل والعقل الجائر ( محاولة مني لتشريح بعض المواقف المؤسفة)
إن الاسلام كرم العقل تكريما لا نظير له، فقد جعله مناطا للتكليف، وبه فضل الله الانسان على كثير ممن خلق تفضيلا، ووجه الانسان إلى النظر في ملكوت السموات والأرض للتدبر والوقوف على مختلف مظاهر قدرة الله تعالى، كما ذم التقليد واعتبره تعطيلا لوظيفة العقل وحاجبا أمام تبصر الحقائق والإذعان للخالق، وحرم الاعتداء عليه بمختلف أشكال الاعتداء ، وجعل الدية الكاملة في تضييع منفعته عن طريق الضرب وغيره ، وحارب الخرافات والشعوذة والجهل، ودعا في المقابل إلى العلم النافع.
وأما هذه المكانة التي أولاها الاسلام للعقل تفرق الناس شذر مذر بين بين الغالي فيه والمقصر والمعتدل، فالغلاة منهم جعلوا العقل طريقا إلى الحق وهؤلاء منهم من أعرض عن الوحي ولا يعترف بكونه مصدرا للمعرفة والحق وهو حال كثير من الفلاسفة، ومنهم بعض المفكرين في هذا العصر الذين يسمون أنفسهم ـ زعموا ـ بالحدثيين ومن هؤلاء أدونيس، ومحمد أركون، ونوال السعداوي، وبوجدرة آخر الشيوعيين في الجزائر كما صرح بذلك تفاخرا منه، وأخيرا طلع علينا آخر وأحسب أنه قد طار عقله ليقول إنه شيوعي ولكن شيوعيته لا تتعارض مع الاسلام والرسلات السماوية!
ومن الغلاة أيضا من رد حكم الوحي عند التعارض الكاذب مع العقل كما هو شأن المعتزلة، أو مع مصلحة متوهمة، أو مع القوانين والمنظمات الدولية ، وعلى هذه الفكرة قامت القوانين الوضعية وعطلت الشريعة، وعلى هذه الفكرة ثارت قضية الدعوة إلى إلغاء عقوبة الاعدام، ولا يخفى أن أصحاب هذه الدعوة ليسوا من أهل العلم والتقوى الذين لهم غيرة كبيرة على شريعة الله ، فهم تخرجوا في معاهد الفكر الغربي ومتأثرون به إلى النخاع ولا يرون إلا ما يرى الغرب، و لا يتورعون في وصف حكم الاعدام بالهمجية والتخلف والمعاداة لحقوق الانسان، ولا شك أن موقفهم هذا صادر عن الجهل بحكمة التشريع بله الأحكام الشرعية التي لا يسع المسلم جهلها، فمن الحجج التي ذكرها أحدهم أن الاعدام لو لم يكن لما قتل شعباني خطأ، هكذا هي حجة الجاهلين دائما، فلو كانوا من أولي البصيرة لعلم أن هذه الحجة التي ذكرها هي حجة عليه، إذ تقتضي إلغاء جميع القوانين خشية الوقوع في نفس السبب الذي ذكره وهو الخطأ،وكيف لهم أن يكونوا من أهل البصير وأولي الألباب و هم بعيدون عن صفاتهم التي بينها الله تعالى في هذه الآية الكريمة : ((إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض )) آل عمران190 ـ 194 ، وقال الله تعالى في القصاص: (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)) البقرة179
إن أهل العلم والايمان يعلمون أن شريعة الله تعالى جاءت لتحقيق مصالح الناس في العاجل والآجل، وذلك بجلب المصلحة لهم ودفع المفسدة عنهم، وهم يعتقدون أن الأمر بيد الله، لذلك يسلمون له ويغضعون، ولا يردون حكم الله بالأهواء والخضوع للتقليد الأعمى، فالله تعالى قد أخبر بذلك قاطعا ألسنة المفترين حيث قال (( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)) الأعراف /54
ورغم أن الدعوة كانت حول إلغاء عقوبة الاعدام وليس القصاص باعتبار أن الإعدام المنصوص عليه ثابت بالقانون فإننا نعتقد أنها كلمة حق أريد بها باطل،وأنها مراوغة ظاهرة،لأن القصاص نوع من الاعدام إلا أن القصاص يعبر عن العدل إذ هو العقوبة بالمثل، بينما الإعدام قد يكون للإنتقام أو الظلم ، وقد يكون لأبطال مفسدة حقيقية فيكون عدلا ويدخل حينئذ في باب التعزيرات التي جاءت بها الشريعة وخولتها لرأي الحاكم حسب ما يراه من مصلحة.
ومن غرائب البدائل التي جاؤوا بها عوضا عن الإعدام السجن المؤبد، فإذا قتل شخص أحدا عمدا وثبت ذلك بالشهود وأدلة العلم الحديث أقصد ال ( أ دي أن ) فما علينا سوى إدخاله إلى السجن نكونه ونسمنه، بينما حق أولياء القتيل مهدور، وهكذا نشجع الناس على الانتقام وتكثر الجرائم باسم المحافظة على حقوق الانسان،وهو الشعار الذي ترفعه المنظمات الحقوقية فقط عندما يتعلق الأمر بقتل يهودي أو امريكي، وتتغاضى الطرف إذا ما تعلق الأمر بمجزرة حدثت في بلاد المسلمين. فتبا لكم ولحقوقكم ومنظماتكم.