بسم الله الرحمن الرحيم
الملف : القيم الإيمانية و التعبدية السنة الدراسية: 2007/2008
الوحدة: من مصادر التشريع الزمن : ساعتان
الكفاءة المستهدفة: معرفة مصادر التشريع و أثرها في مرونة الشريعة الإسلامية
I.- الإجماع:
1- تعريف الإجماع:
أ_ الإجماع في اللغة:
الإجماع من الألفاظ المشتركة في وضع اللغة بين معنيين:
الأول: العزم. يقال: ((أجمع فلان على كذا)) إذا عزم عليه، وجاء في الحديث "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" أي لم يعزم الصيام من الليل وورد في الكتاب الكريم {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} أي اعزموا. والإجماع بهذا المعنى يصدر عن الواحد كما في المثال الأول، وكما جاء في الحديث، ويصدر عن الجمع كما في الآية الكريمة.
الثاني: الاتفاق، يقال: ((أجمع القوم على كذا)) إذا اتفقوا عليه.
وهو بهذا المعنى لا يصدر إلا عن الجمع، ولا يتصور من الواحد. وقيل إن الإجماع في وضع اللغة هو الاتفاق والعزم راجع إليه، لأن من اتفق على شيء فقد عزم عليه.
وقيل إن الإجماع حقيقة في معنى الاتفاق لتبادره إلى الذهن مجاز في معنى العزم لصحة سلب الإجماع عنه.
ب- الإجماع في الاصطلاح:
اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول علية الصلاة والسلام على حكم شرعي في واقعة معينة.
2- شرح التعريف:
- إتفاق : معناه الاشتراك في الاعتقاد أوالقول أو الفعل ، لأن ذلك كله من الإجماع ، فلا يكون الإجماع خاصا بالقول فقط .
المجتهدين: فيه إخراج من لم يبلغ درجة الاجتهاد من العلماء ، أو عوام الناش فإنه لا عبرة بإجماعهم
في عصر: معناه في زمان ما ، قال العدد أو أكثر ، وبعد وفاة الرسول .
على حكم شرعي : هذا قيد يخرج به ما ليس حكما ، وما كان حكما غير شرعي ، فإنه الإجماع في ذلك ليس حجة عند الجمهور .
3_ حجية الإجماع:
ذهب المتكلمون أجمعهم والفقهاء بأسرهم على اختلاف مذاهبهم إلى أن الإجماع حجة.
أ_ أدلتهم من الكتاب الكريم:
استدل أئمة المذاهب وجمهور العلماء بآيات عدة من الكتاب الكريم، منها بل أهمها قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}
إن متابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى يخالف قولهم أو فتواهم، وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة بدون شرط اتفاق الجميع فمن باب أولى تكون متابعة ما اتفقوا عليه واجبة فثبت أن الإجماع حجة.
ومنها قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} .
"إن الله _ تعالى _ نهى عن التفرق، ومخالفة الإجماع تفرق، فكان منهيا عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته" .
ثانيا _ أدلة الجمهور من السنة الكريمة:
استدل جمهور العلماء وأئمة المذاهب بجملة أحاديث مروية عن عدد من كبار الصحابة _ رضوان الله عليهم _ منها قوله – صلى الله عليه و سلم:
1_ "لا تجتمع أمتي على الخطأ".
2_ "لا تجتمع أمتي على الضلالة".
3_ "ولم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة".
4_ "لم يكن الله ليجمع أمتي على الخطأ" .
5_ "سألت الله أن لا يجمع أمتي على الضلالة، فأعطانيه" .
6_ "من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" .
أنواع الإجماع :
أ_ الإجماع الصريح، وهو يتنوع إلى نوعين إجماع قولي، وإجماع عملي.
الإجماع القولي: هو أن يصرح كل واحد من جماعة المجتهدين بما يفيد قبوله للرأي المعلن للاتفاق عليه. فمثلا لو أفتى بعض المجتهدين المعاصرين بحل عقود التأمين، وصرح كل مجتهد معاصر بما يفيد موافقته على ذلك لأصبح إجماعا قوليا وحجة شرعية
الإجماع العملي: وهو أن يقع العمل من كل واحد من جماعة المجتهدين كعملهم جميعا في المضاربة والاستصناع فإذا وقع منهم ذلك كان إجماعا عمليا وحجة شرعية.
والإجماع البياني بنوعيه القولي والعملي هو الأصل في الإجماع وهو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق كلمة الإجماع، وهو ما فرغنا من الاستدلال على حجيته.
ب_ الإجماع السكوتي: وهو أن يصرح بعض المجتهدين برأيه في مسألة اجتهادية أو يقوم بعمل كالتأمين على حياته أو أخذ ((خلو رجل)) سرقفلية ويشتهر ذلك بين المجتهدين من أهل عصره ويسكتون بعد علمهم بذلك من غير نكير.
وهذا النوع من الإجماع اختلف أعلام الأمة في تسميته إجماعا كما اختلفوا في حجيته
أمثلة من الإجماع:
1. الإجماع على تحريم الزواج بالجدات استنادًا إلى قوله : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... النساء : 23 . أي أصولكم ، إذن فالجدة أم وهي تحرم أيضًا .
2. إجماع الصحابة على توريث الجدة السدس( ).،استنادًا إلى ما رواه المغيرة ابن شعبة عن رسول الله .
3. إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد .
II.- القياس:
1 – تعريفه:
لغة : : للقياس في لغة العرب معنيان :
أولها :التقدير: مثل قست الثوب بالذراع، أي عرفت مقداره ، ويتعدى بالباء وبـ على ، فيقال قاسه على الشيء ، وقاسه بالشيء ، ويكثر في الأصول تعديه بـ على .
ثانيهما :التسوية:سويت الثوب بالثوب
اصطلاحًا : إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم .
حجية القياس:
جمهور العلماء على أن القياس دليل من أدلة الأحكام وهو يفيد غلبة الظن فيكون حجة يجب العمل به إذا هو يستند إلى علة حقيقية ظاهرة ويتفق العمل بع مع مقاصد الشريعة الأصلية ، واستدلوا على حجيته بما يلي :
أ )- من القرآن:
قول الله U : ) ... فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ( الحشر : 02 . ووجه الاستدلال أن الله تعالى أمر بالاعتبار ، والقياس نوع من الاعتبار ، فالقياس مأمور به لذلك ، ثم إن الأمر للوجوب ، والقياس مأمور به ، فالقياس واجب ، فإذا كان واجبًا كان العمل به واجبًا أيضًا ، فكان دليلا لذلك .
ب ) من السنة:
عن عبدِاللَّهِ بنِ الزبيرِ ،، قالَ: جاءَ رجلٌ من خَثْعَمَ إلى رسولِ اللَّهِ فقال: إنَّ أبي أدركه الإسلامُ وهو شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ ركوبَ الرحلِ، والحجُّ مكتوبٌ عليهِ، أفأحجُّ عنه، قال: «أنتَ أكبرُ ولدِهِ» قال: نعم، قال: «أرأيتَ لو كانَ على أبيكَ دينٌ فقضيتَهُ عنه، أكان ذلك يجزىءُ عنه» قالَ: نعم، قال: «فأحجُجْ عنه».. فكان هذا قياسًا لديْن الله على دَيْنِ العباد .
د) عمل الصحابة : ذلك أنه ثبت عن جميع كثير من الصحابة أنهم اكنوا يعملون بالقياس عند عدم النَّص ، حتى بلغ ذلك مرتبة التواتر عنهم ، والعادة تقتضي بأن مثل ذلك العمل من قبيل الجمع الغفير لا يمكن ولا يحصل إلاَّ إذا كان مستندًا إلى دليل قاطع ، وإن كان هذا الدليل غير معلوم لدينا بالتعيين ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها :
أولا -بايع الصحابة أبا بكر الصديق عنه خليفة للمسلمين بعد رسول الله وقالوا (( رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا )) فقاسموا الخلافة على إمامة الصلاة
ثانيا :ما روي عن عمر بن الخطاب بعد ما أرسل أبا موسى الأشعري واليًا على البصرة ؛ وكتب إليه كتابًا طويلا فيه كثير من الحكم والأسس ، جاء فيه قوله : أعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور برأيك ، فهو دليل ظاهر على أمره له بالقياس .
أركان القياس وشروطه:
يتضح من تعريف السابق أن له أركانًا أربعة يقوم بها ويتألف منها ، وهذه الأركان الأربعة هي :
الأصل : و يسمى المقيس عليه وهو ما ورد بحكمه نص.
الفرع : ويسمى المقيس وهو ما لم يرد بحكمه نص ويراد تسويته بالأصل في حكمه.
حكم الأصل : وهو المراد تعديته من الأصل إلى الفرع ، وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بنص أو إجماع
العلة : وهي الوصف الذي بني عليه حكم الأصل وبناء على وجوده في الفرع يسوى بالأصل في حكمه
أكثر الأصوليين على الدمج بين الركنين الأول والثالث في ركن واحد يسمونه حكم الأصل وهو ما سوف تسير عليه في بياننا لشروط الأركان ولكل ركن من هذه الأركان شروط خاصة به وهي :
شروط حكم الأصل :
1. أن يكون حكم الأصل ثابت بالكتاب والسنة والإجماع .
2. أن يكون الحكم معقول المعنى .
3. أن لا يكون حكم الأصل مختصًا به .
شروط الفرع :
1. قيام علة الحكم في الفرع .
2. أن يساوي الفرع الأصل في علة حكمه ، بأن تكون العلة في الفرع مساوية لها في الأصل .
3. أن لا يكون في الفرع نص خاص يدل على مخالفته القياس .
شروط العلة:
1. أن يدور الحكم معها في كل الأحوال ، لا يتخلى عنها في بعض الأحوال ، كقياس النبيذ على الخمر في التحريم ، فإن العلة هي الإسكار ، وهي موجودة في الخمرة مع النبيذ في كل أحوالهما ، ولذلك كان القياس صحيحا ، فإذا تخلف عنها الحكم في بعض الصور كان القياس باطلا .
2. أن تكون العلة مطردة منعكسة مع حكمها ، بحيث يلزم من وجدها وجود ، ويلزم من عدمها عدمه في كل الحالات ، أي أن تكون سببا له ، وإلا لم يصح النقل بها
3. أن تكون ظاهرة منضبطة: فإذا كانت العلة خفية لم يجز النقل بها ، مثل الإرادة الباطنة في العقود ، فإن المدار عليها في الصحة والفساد ، ولكن لخفائها ألغيت وأنيط تصحيح العقود وإبطالها بما هو مظنة لها ، وهو الإيجاب والقبول.
III.- المصالح المرسلة:
تعريف المصالح المرسلة :
هي استنباط الحكم في واقعه لا نص فيها ولا إجماع ، بناء على مصلحة لا دليل من الشارع على اعتبارها ولا على إلغائها .
كما تعرف بـ: المنفعة الملائمة لمقاصد الشرع الإسلامي و لم يشهد لها أصل خاص بالاعتبار أو الإلغاء.
حجية المصالح المرسلة وأدلة اعتبارها:
اتفق الفقهاء على عدم إمكان العمل بالمصالح في أمر من أمور العبادات لأن سبيلها التوقيف ، وكذلك الأمر في كل ما فيه نص ، أو إجماع من الأحكام الشرعية كالحدود والكفّارات و غيرها من الأمور الشرعية التي تم بيانها سواء ظهر لنا وجه المصلحة فيها أم لم يظهر .
أما في غير هذه الأمور مما يتعلق بالمعاملات والقضايا المتعلقة بالأمور العامة للبلاد والعباد فيرى المالكية أنها حجة شرعية فيما لا النص فيه ولا إجماع ، وأصل من الأصول التي يتعد بها في بناء الأحكام عليها واستدلوا بأدلة منها :
أولا : شرع الله الأحكام لتحقيق مصالح العباد ودفع المضار عنهم يشهد لهذا القول أدلة من الكتاب والسنة والرسول أرسل رحمة للعالمين وإنه لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، وبين أن الدين دين يسر لا دين عسر .
ثانيا : إن الحوادث تتجدد ، والمصالح تتغير بتغير الزمان والظروف وتطرأ على المجتمعات ضرورات ، وحاجات جديدة تستدعي أحكام معينة ، لذلك من الضروري أخد هذه الأمور بعين الاعتبار وفسح المجال أمام المجتهدين لاستنباط الأحكام وفق المصالح .
ثالثا : روعيت المصلحة بنحو أوسع من القياس في اجتهادات الصحابة والتابعين وأئمة الاجتهاد حتى كان ذلك بمنزلة الإجماع على رعايتها بدليل جمع أبي بكر القرآن في مصحف واحد قائلا والله إنه لخير ومصلحة للإسلام ومحاربة أبي بكر لمانعي الزكاة وتدوين عمر الدواوين وسك النقود واتخاذ السجون وكتابة عثمان المصاحف فلا سند لدلك إلا المصلحة
شروط العمل بالمصالح المرسلة:
اشترط القائلون بالمصلحة اشترط القائلون بالمصلحة المرسلة شروط ثلاثة للعمل بها :
أ ) أن تكون ملائمة لمقاصد الشرع الضرورية لقيام مصالح العباد فتنا في أصل من أصوله ولا تعارض نصًا أو دليلا من أدلته القطيعة
ب ) أن تكون مصلحة لعامة الناس ، وليست مصلحة شخصية ، لأن الشريعة جاءت للناس كافة ، وبناء عليه ، لا يصح الأخذ بأي حكم يقصد به رعاية مصلحة شخصية .
ج ) أن تكون معقولة في ذاتها حقيقة ولا وهمية ، بأن يتحقق من تشريع الحكم بها جلب نفع أو دفع ضرر .
أمثلة:
1- إيقاع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة لمصلحة و هي المحافظة على الأسرة و سد باب التعسف بالطلاق.
2- تضمين الصناع :حيث قرر الخلفاء الراشدون تضمين الصناع لمصلحة هي المحافظة على ما تحت أيديهم .
3- جمع المسلمين على مصحف واحد زمن عثمان رضي الله عنه.
التقويم:
1. ما هو الفرق بين الإجماع والقياس ؟
2. متى يعتبر الإجماع حجة ؟
للإتصال :
www.aliboutaleb60@yahoo.fr